الأحد، 13 أبريل 2008

هل نسخ القرآن الإنجيل؟


يقال أن القرآن قد نسخ الإنجيل أي أنه قد ألغى الكتاب المقدس وحل محله. فهل هذا صحيح؟

على أي حال هذا الموضوع يخرجني إلى عدة أسئلة لأن الموضوع يحتاج إلى عمق وليس ردوداً سطحية وتحتاج إلى إقناع.

فعندى خمس أسئلة أوجهها بسبب هذا الموضوع:

1) ما مفهوم النسخ فى لغة القرآن؟
2) كيف ينسخ القرآن الإنجيل وهو الذى صدق عليه؟
3) كيف ينسخ القرآن الإنجيل وهو يأمر النبى والمسلمين للرجوع إليه؟
4) كيف ينسخ القرآن الإنجيل وهو يأمر النصارى بأن يحكموا بما فيه؟
5) كيف ينسخ القرآن الإنجيل وهو يأمر بإقامة شرائعه؟

* أولاً: ما هو مفهوم النسخ فى القرآن ؟

في الحقيقة لها معان كثيرة ورغم أني أتكلم بالتفصيل ولكن لكي نصل إلى الحقائق.

- أول معنى هو معنى بسيط جداً: ينسخ كتاب أي ينقله.

- ومعنى أخر هو إزالـــة كما ورد في سورة الحج 52 "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ [ أي يزيل ] الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم"

~ ويوضح الإمامين الجلالين القصد من هذه الآية التي ذكرها السيوطي عن معنى النسخ أي الإزالة من واقع سورة الحج، يفسر معنى تمنى أي قرأ ومعنى أمنيته أي قراءته. وقد قرأ النبي صلعم في سورة النجم بمجلس من أهل قريش وقال أرأيتم اللات والعزة ومنات الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى .. "

فمنات واللات والعزة هؤلاء أصنام في مكة فهل هم غرانيق علا (أي عظماء) وشفاعتهم لا ترتجى!!؟ فهذا استحالة !!

ويقال أن أهل قريش فرحوا بذلك لأن آلهتهم أصبحت لها كرامة وشفاعة وسجدوا لها. ثم أخبره جبريل ما الذي قلته هذا ؟ أنا لم أقل لك هذا الكلام. فرد عليه محمد أنا لم أقل. فرد عليه جبريل بأن الشيطان هو الذي وضع لك هذا الفكر، فحزن الرسول عندما أخبره جبريل بما وضعه الشيطان على لسانه من ذلك. فنزلت هذه الآية ليعزيه وحذفت الغرانيق العلى وشفاعتهم لا تترجى. فهذه إزالة.

- وفى سورة النحل جاء تعريف أخر بمعنى التبديــل. سورة النحل آية 101 "وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفترى بل أكثرهم لا يعلمون"
فإذن ربنا حر يأتي بآية أو يبدلها هو حر!!!

- وبمعنى آخر التحويل: في سورة الأنفال جاء في آخرها تناسخ المواريث من واحد إلى واحد وبمعنى النقل من موضع إلى موضع، كما في سورة الجاثية 280 يقول : " إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعلمون "

* ثانيا: كيف ينسخ الله الإنجيل وهو الذي صدق عليه؟

~ في الحقيقة أنا أشفق على كل مسلم يقول أن القرآن نسخ الإنجيل لأن معنى هذا أنه ليس بدارس للقرآن وهذه هي المشكلة.

- في سورة يونس 37 " وما كان هذا القرآن يفترى من دون الله ولكن تصديق لما بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين "

- وفى سورة المائدة 46 "وقفينا على آثرهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وأتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة" فإذن كيف يصدق على شيء منسوخ.

- وفى سورة الأنعام 92 "وهذا كتاب أنزلناه بالحق مبارك مصدق لما بين يديه "

- وفى سورة فاطر 31 "والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقاً لما بين يديه "

- وفى سورة الأحقاف 12 " أنا سمعنا كتاباً أُنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه "

- وفى سورة يوسف 11 :" وما كان حديثاً مفترى ولكن تصديق الذي بين يديه "

- وفى البقرة 71 " نزله على قلبك بإذن الله مصدقاً لما بين يديه "

- آل عمران 3 "نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه "

ـ وتفسير الإمام البيضاوي لهذا الكلام يقول: جاء القرآن تصديقاً أي مطابقاً لما تقدمه من الكتب الإلهية المشهود على صدقها وهو شاهد على صحتها.

لاحظ معي أنه لم يقل أن القرآن نسخ الكتب المقدسة وألغاها وإنما مصدقاً لها. إذن هذا السؤال ليس له مجال الآن فالإجابة واضحة تماما

* ثالثا : كيف ينسخ القرآن الإنجيل وهو الذى يأمر محمد والمسلمين بالرجوع إليه ؟

ـ واضح جداً من الآيات القرآنية أن القرآن ينصح محمد بالرجوع إلى الإنجيل والتوراة:

- ففي سورة يونس 94: " إن كنت فى شك مما أنزلنا إليك { أى إن كنت فى شك فى القرآن } فأسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك"

~ فكيف يكون القرآن منسوخ ويرجع محمد إلى الكتب التى قبله !!

- وفى سورة الإنعام 90 يقول القرآن: وأولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة أولئك الذين هدى الله فبهداهم أقتد"

- وأيضاً قد أمرهم القرآن بأن يرجعوا إلى أهل الذكر فى سورة النحل 43: " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"

- ومحمد نفسه كان يشهد للقرآن والإنجيل، ففى سورة القصص 49: " قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما فأتبعه"

~ فإن كان التوراة والإنجيل منسوخان فكيف يقول أهدى منهما وكيف يأمره بإتباعه ؟؟

* رابعا: كـيف ينسخ القرآن وهو يأمر اليهود والنصارى بأن يحكموا بما أنزل الله فيه؟

- فى سورة البقرة 212: "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه"

- وفى سورة المائدة 70 يقول: " قل يا أهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والإنجيل"

~ أن كان التوراة والإنجيل منسوخين فكيف يقيمونهما ؟؟

- وفى سورة المائدة 44: " وإنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون والربّانيون والأحبار"

~ ونستطيع القول هنا أن الذي يقول أن القرآن نسخ التوراة والإنجيل فهو لا يفهم ويطعن فى القرآن نفسه

- وفي سورة المائدة 43: " وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله"

~ إذن حكم الله موجود فى التوراة ولم ينسخ بدليل أنهم لا يحتاجون إلى حكم الإسلام لأنهم يملكون أحكام خاصة بهم في التوراة وهى صحيحة لأنها حكم الله. وهذه الآية تشهد للكتاب المقدس والنبي يستشهد به فكيف يدعون أن القرآن نسخ الكتاب المقدس

- وأيضاً فى سورة المائدة 69 "ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أُنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم"

- في سورة المائدة 47 " وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فية ومن لم يحكم بما أنزل الله فيه فأولئك هم الفاسقون"

~ لاحظ معى أن هناك أمر لأهل الإنجيل أن يحكموا بما أُنزل فيه وإلا سيكونوا من الفاسقين!!
~ فكل هذه الآيات تنفى نسخ القرآن للكتاب المقدس .

* خامسا: كيف ينسخ القرآن الإنجيل وهو يأمر بإقامة شرائعه ؟

- في سور المائدة 48 يقول : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة "

~ نلاحظ هنا أن الله لم يشاء أن يجعل الناس أمة واحدة فجعل لكل أمة شرعا ومنهاجا .

ـ ويقول الإمامين الجلالين في تفسير هذه الآية: لكل جعلنا منكم أيها الأمم شريعة وطريقاً واضحاً في الدين تمشون عليه ولو شاء الله لجعلكم على شريعة واحدة ولكن فرقكم فرقاً ليختبركم فيما أتاكم من الشرائع المختلفة لينظر المطيع منكم والعاصي فسارعوا إلى الخيرات.

~ لاحظ معي هنا أن لكل أمة شريعتها الخاصة بها والسبب ليختبر الله الطاعة الخاصة بكل أمة من يهود ونصارى ومسلمين فأين النسخ هنا ؟

- وفي سورة الشورى آية 13 " شرع لكم من الدين ما أوصى به نوحاً والذي أوصينا به إليه وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أي أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه"

~ وإليك تفسير الإمام البيضاوي فى هذه الآية: أى شرع لكم من الدين . دين نوح ومحمد وما بينهم من أرباب الشرع وهو الأصل المشترك. وأقيموا الدين وهو الإيمان بما يجب تصديقه والطاعة لأحكام الله التى نزلت عنده . إذن لكل واحد دينه وشرائعه.

- وفى سورة النساء آية 25 " يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم"

~ وتفسـير الإمامين الجلالين هما: يقول سنن الذين من قبلكم أي فرائق الأنبياء فى التحريم والتحليل أي شرائع.

~ وهنا يبينها وليس يلغيها أو ينسخها إذن واضح جداً أن القرآن يبين للعرب فرائق الأنبياء وشرعهم في التحريم والتحليل

فكيف يدعى جاهل أن القرآن نسخ الكتاب المقدس بما فيه من شرع؟ .. لا يدعى أن القرآن قد نسخ الإنجيل إلا كل جاهل لا يفهم!

والدليل على أن القرآن لم ينسخ شرائع الكتاب المقدس أن النبي حكم بشريعة الرجم التي حكمت بها التوراة وهذه القصة التي رواها الزمخشري: إن شريف من خيبر زنى مع شريفة وحكمهم الرجم حسب الشريعة اليهودية وكان قد رفضوا رجمهما لشرفهما الرفيع فبعثوا إلى محمد ليسألوه فأمرهم بالرجم حسب شريعة موسى.
فلو كان القرآن نسخ شريعة التوراة لم يكن يحكم بالرجم فقال لهم: تَحكّمونني وعندكم التوراة فيها حكم الله.

~ العيب أن المسلم يكرر كلاما محفوظا وليس له أي أصل وحتى المعنى يقوله خطأ. القضية والمشكلة هي برمجة الأطفال وهم صغار بأن النصارى كفرة ومشركين ومصيرهم النار ولا تناقش النصارى وإلا يكفروك، ولا تسأل الإمام لأن الشيطان في التفاصيل. عجبي!

ليست هناك تعليقات: